الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إنّ المتتبع للجرائد اليومية المعنية بالأخبار والمستجدات الرياضية يلاحظ بعض العناوين الغريبة والمأساوية ضمن صفحات هذه الجرائد (الرياضية!) فبمجرد أن تقرأ خبرا لأحد المقابلات المحلية (وهو ما يعرف بالداربي) او غيرها من المقابلات حتى تجد عناوين وأخبار تثير انتباهك وتلفت أنظارك أعني بها أخبار الجرحى والموتى (!) في حوادث تقع عقيب انتهاء المقابلة الرياضية زعموا.
نعم هذه هي حال كرة القدم عندنا في الجزائر وأنا أسمع الكثير من هذه الأخبار خاصة إذا كانت المقابلة (داربي) ..
لعلكم ستتعجبون إن أخبرتكم أنّ اليوم الذي تجري فيه مقابلة في كرة القدم لأحد الأندية هو من أشد الأيام عسرا على سكان المدينة!
كيف لا وقد تعطلت حركة المرور وأغلقت الطرقات وانتشر الأوباش وكلّهم على أتمّ الإستعداد لينقضّوا على أي فتاة مسكينة اضطرت للعبور أمام الملعب!
صاحب السيارة خائف على سيارته التي لن تكون أول سيارة قلبت رأسا على عقب!
وصاحب الدكان خائف على سلعته التي لن تكون أول سلعة نهبت!
وجيران الملعب قد أحكموا غلق نوافذ بيوتهم حتى لا يسمعوا ما يستحي المرء أن يسمعه منفردا فكيف به وسط عائلته!!
بل إنّي أعرف بعض الإخوة الذين يغادرون بيوتهم في يوم المقابلة لأجل هذا السبب !!
وما إن تبدء المقابلة حتى تسمع ألوان الشتائم وصنوف السبّ لله تعالى ولدينه!!
وما إن تنتهي المقابلة حتى ينتشر المشجعون وأغلبهم مراهقون حول الملعب وأغلبهم ثملون مخدرّون لا يعون ما يفعلون، السكين في يد أحدهم والقنبلة المثيرة للدموع في يد هذا والعصا الحديدية في يد ذاك ويا ويل من مرّ أممامهم ويا تعاست من وقف أمامهم!!
الشرطة تنتشر في كل مكان حول الملعب لا يتركون أحدا يمر، الحافلات تتوقف قبل المحطّة بمئات الأمتار، النساء يغيرن من مسارهنّ المعتاد سالكات طرق أخرى ولو كانت أبعد وأطول ولكنّها أسلم!!
مرّةً جرت مقابلة بين فريقين في الملعب وكان ذلك يوم الخميس - ومن المعهود والمعلوم عندنا أنّ أغلب الأعراس والأفراح تقام في هذا اليوم لأنّه يوافق نهاية الأسبوع وبالتالي العطلة الأسبوعية - ومن المعهود عندنا كذلك أنّ العروس يُطاف بها في شوارع المدينة في سيارة مغطاة بالزهور والورود ويتبعها (الحريم) في سيارات كثيرة.
أقول: وافق ذات مرّة أن خرج مشجعوا الفريق المهزوم وأعينهم تشتعل غيظا وغضبا مرور موكب العروس هذا (cortége) فما كان من هؤلاء الأوباش الذين هم حثالة المجتمع إلا أن ينقضّوا على هذا الموكب وانتهكوا الحرمات ونهبوا الذهب والمجوهرات وارتكبوا المحرمات!!
كلّ هذا واقع ولا ينكره إلا أعمى!
لأجل كلّ هذا وذاك قرّرت أن أوضّح القضية من الناحية الشرعية مبينا حكم الشرع في ما يسمى بكرة القدم التي هذه حالها فأقول:
توطئة:
1) اعلم رحمني الله وإياك أنّ الأصل في أمورنا العادية (التي ليست بعبادة) الإباحة ما لم يأت صارف يصرفها عن الإباحة إلى حكم آخر.
2) أنّ الدين الحنيف مبني على جلب المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها.
3) إذا تزاحم عدد المصالح فإنّه يقدّم الأعلى من المصالح وضدّه تزاحم المفاسد يرتكب الأدنى من المفاسد.
4) دفع المفاسد مقدّم على جلب المصالح فإذا عجزنا عن جلب مصلحة إلا بارتكاب مفسدة فهناك احتمالين:
-إذا كانت المصلحة أعظم من المفسدة أقدمنا عليها.
-إذا كانت المفسدة المترتبة على جلب هذه المصلحة أكبر أو تساوي هذه المصلحة أمسكنا عنها وحرم الإقدام عليها.
5) الحرام نوعان: حرام لذاته، وحرام لغيره.
فمن الأوّل: الزنا وشرب الخمر والسرقة وعقوق الوالدين والرّشوة وغيرها.
ومن الثاني ما كان في أصله مباح لكن أحاطت به ظروف أخرجته من الإباحة إلى التحريم.
كالوسائل التي لا يتمّ المحرّم إلا بها، كالسكّين للقتل والاعتداء على النّاس.
فإنّ شراء السكّين في أصله مباح ولكنّ شراءه بقصد استعماله في المحرّم أكسبه حكم المقصد وهو التحريم وهذه قاعدة فقهية معروفة وهي : للوسائل حكم المقاصد.
6) ومثل هذه القاعدة قاعدة أخرى وهي: ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب ومثلها: ما أدى إلى حرام فهو حرام وإن كان في أصله مباح.
وهذه القاعدة يمكن أن نعبّر عنها بقولنا: النهي عن الشيء نهي عمّا لا يتمّ إلا به.
والأمر بالشيء أمر بما لا يتمّ إلا به.
بعد هذا الكلام ندخل في تأصيل هذه المسألة:
إنّ رياضة كرة القدم كغيرها من عادات بني آدم الأصل فيها الإباحة ولكن قد تطرأ عليها أمور تصرفها عن حكمها الأصلي إلى الكراهة أو التحريم.
ومن هذه الصوارف:
1) ما ذكرت لك سابقا من انتهاك حرمات النّاس والاعتداء عليهم.
2) سبّ الله تعالى وسبّ دينه وسبّ اللاعبين وهذا لا يخلوا منه ملعب ولا تخلوا منه مقابلة ولا ينكره أحد.
3) تأخير الصلاة عن وقتها (بل تركها) فإنّ أغلب المقابلات تجرى في أوقات الصلاة أعني صلاة الظهر وصلاة العصر.
4) حضور مجالس الزور ومخالطت الأشرار والمجرمين وتكثير سوادهم.
5) كشف العورات فإنّ من المعلوم أنّ البدلة المستعملة في هذه الرياضة تكشف عن الفخذ والفخذ عورة لا يجوز كشفها ولا النظر إليها.
6) انتشار البغض والحقد والشحناء بين المشجعين، حيث أصبح الولاء والبراء في الفريق لا في الله وأصبح الحب والبغض للفريق لا لله، ورأينا من يهجر أباه لأجل الفريق! ورأينا من لا يكلّم أخاه لأجل أحد اللاعبين! ورأينا من لا يصلي في بعض المساجد بحجّة أنّ فيها مشجعي الفريق المعادي لفريقه!!
7) صرف الأموال الطائلة على اللاعبين وتنقلاتهم وأجورهم ومستلزماتهم.
صرف اهتمامات الشباب عن القضايا المهمّة إلى أمور هابطة رخيصة!
9) إضاعة الوقت في غير طاعة الله بل في معصية الله!
لأجل كلّ هذا وغيره ممّا قد يخفى عليّ فإنّ طالب العلم لا يتردد في الحكم بالتحريم على هذه الرياضة المدمّرة لعقول الشباب.
ولا أظنّ أنّ من يخبر هذه المسألة كما هي عليه حقيقة يتردد في موافقتي على ما ذكرته آنفا. اللهم إلا إذا تغيرت الأوضاع واجتنبت المخالفات المذكورة آنفا فحينها يكون لنا كلام آخر.
وعلى كل من يخالفني في هذه المسألة أو يرى أنّني أخطأت فسأكون له شاكرا إذا نبهني على خطئي وأرشدني للصواب.
والله تعالى أعلى وأعلم.
ضع تعليق بحسابك فى الفيس بوك لدعم المنتدى |
|